خاص - شبكة قُدس: يثير توجه رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو بالموافقة على اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان، ومماطلته في الموافقة على مثيله في غزة، تساؤلات حول السياسة الإسرائيلية تجاه الجبهات المختلفة بالتزامن مع الضخ الجماهيري الكبير في الأوساط "الإسرائيلية" بضرورة عقد صفقة تبادل للأسرى حتى لو كان الثمن وقف الحرب، حتى أن بعض الأطراف ترى أنه لم يعدّ هناك ضرورة للحرب، فيما ينشغل نتنياهو ووسائل الإعلام والشخصيات المقربة منه في إقناع "الجمهور الإسرائيلي" بضرورة الاستمرار فيها وعدم تقديم تنازلات جوهرية في هذا السياق.
بالتعرض لأسباب موافقة رئيس وزراء الاحتلال على وقف إطلاق النار في لبنان، لا يمكن تجاهل التقارير الإسرائيلية والفرنسية عن صفقة بينه وهو المصنف من قبل محكمة الجنايات الدولية كمجرم حرب وبين عدة دول أوروبية من بينها فرنسا، تتضمن عدم تطبيق قرارات المحكمة على أراضي هذه الدول مقابل المضي قدما في اتفاق مع لبنان، ولسوء حظ غزة لا يوجد حراك دولي شبيه بخصوصها. ويجب التذكير أن نتنياهو كان قد أكدّ قبل أسبوعين من صدور قرار المحكمة بأنه لن يقبل بوقف إطلاق نار على الجبهة الشمالية إلا بالشروط الإسرائيلية والتي تشمل؛ إبعاد حزب الله من جنوب الليطاني وسحب سلاحه.
وقد يكون أحد الأسباب لهذا التوجه لدى نتنياهو هو مسمى وطبيعة العدوان على لبنان، فلم يصدر عن أي مستوى سياسي أو عسكري إسرائيلي تصريحه بأن الهدف هو القضاء على حزب الله، فهذا الهدف غير كونه غير واقعي فهو كذلك غير ملعن، وبالتالي فإن الأهداف الأخرى المعلنة مثل؛ منع نشاط حزب الله جنوب الليطاني وسحب سلاحه وغيرها من الأهداف يمكن توكيل المهمة بتنفيذها - نظريا على الأقل - لجهات دولية ولبنانية، وهو ما جرى بالفعل في الاتفاق الذي أفرز لجنة رقابة مهمتها منع التسليح العسكري لحزب الله وتواجده العسكري في جنوب الليطاني، فيما أن الهدف المعلن في الحرب على قطاع غزة هو القضاء نهائيا على حركة حماس - وهو أيضا غير قابل للتحقق - وهذا الفارق مهم في قراءة سياقات التحركين السياسي والعسكري.
وعلاوة على الأسباب السابقة، فإن العديد من الخبراء العسكريين وحتى الضباط الاحتياط الكبار كان قد صرحوا بأن العملية البرية في جنوب لبنان إن توسعت أكثر ووصلت لخط القرى الثاني والثالث بعد الحدود، فإن هذا سيكون مكلفا وبدون أهداف استراتيجية ولا حتى تكتيكية هامة، ولن يكون لهذا التوسع أي نتيجة فعلية على أي اتفاق مستقبلي لأن النتيجة ستكون الانسحاب، بالإضافة إلى أن ذلك لن يؤثر على المستوى العملياتي لدى حزب الله، ويمكن الاستنتاج أن تعافي حزب الله من ناحية القدرات الصاروخية والقتال البري أحرج العملية البرية "الإسرائيلية" وكان سيحرجها أكثر لو امتدت أكثر وارتفعت تكلفتها. في المقابل، فإن عدم قدرة جيش الاحتلال على القضاء على المقاومة في قطاع غزة وتحديدا شمالها هو مصدر إحراج لكل المستويات العسكرية وحتى السياسية لدى الاحتلال وتناقض واضح مع أهداف الحرب وله بعد نفسي مرعب لدى الإسرائيليين الذين يرون أن شمال القطاع شكّل رأس في عملية 7 أكتوبر.
يضاف إلى سبق، في محاولة تفسير التوجه لاتفاق مع لبنان دون غزة، وجود توقع أن الإدارة القادمة في الولايات المتحدة ستفرض قرارا بوقف الحرب مع لبنان بمجرد وصول الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في يناير 2025، ومن الواضح أن رئيس وزراء الاحتلال نتنياهو غير معني بالاحتكاك مع الرئيس القديم الجديد في بداية ولايته. وقد يكون التقدير "الإسرائيلي" أن موقف ترامب من قطاع غزة لن يكون بذات الحدّة وبالتالي فإنه يمكن المراهنة على عامل الوقت والمعلومات (قد تكون مضللة) لإقناعه بضرورة عدم وقف الحرب في قطاع غزة.
ولعلّ الهدف المعلن بمنع حركة حماس من الاستمرار في الحكم في قطاع غزة وإحباط أي إمكانية مستقبلية لذلك، لا يتوفر مثيله في لبنان، فلا تستطيع "إسرائيل" فعل ذلك لا من الناحية العملية ولا من الناحية القانونية هناك، لكنها في حالة غزة قد تلجأ لصيغ عملية وقانونية بهدف إيجاد نموذج جديد من الحكم هناك. وثمة سبب آخر دفع للاتفاق مع لبنان هو تراجع كفاءة جيش الاحتلال الإسرائيلي فيما يتعلق بالأفراد والأسلحة بعد أكثر من عام من القتال وضرورة تركيز الجهود في جبهة واحدة بالتزامن مع ارتفاع وتيرة الانتقاد لدى الجنود الاحتياط الذين بدأ بعضهم يرى أنهم منعزلون عن حياتهم الخاصة لأسباب سياسية فقط.